الأحد، 15 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content


المسافة بين قشلة السلطان وقصر المهاجرين موزونة على سرعة البيان الوزاري

سعد الحريري في السرايا: استثناءُ الشخص والإرث والاستمرار

حكومة ثلثيّ العهد وكل الولاية .. جهد لا يريد احد تكراره

لبنان محكوم بملاقاة نسق الرباعية الاقليمية الجديدة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 23/11/2009

سعد رفيق الحريري، في السرايا الكبيرة، التي كرّسها السلطان عبد العزيز مركزا لحكم لبنان في نهاية القرن التاسع عشر، ورممها الرجل ذو الحذاء الذهبي، على ما سماه عمر اميرلاي في وثائقي أرّخه رفيق الحريري نفسه بصوته وديناميته. سعد الاول في السراي حدث قائم بذاته، فالرجل استثنائي في دخوله (اقحامه؟) السلطة، واستثنائي لكونه اول نجل رئيس الحكومة "يرث" مقعده او سراياه، واستثنائي لكونه منع مفاعيل شطب والده جسديا، لا بل أمّن استمرار الشخص والارث والعائلة.

بين سرايا السلطان (او القشلة وفق التسمية البيروتية اوائل القرن التاسع عشر) الرابضة على تلة تتوسط بيروت، وبين قصر المهاجرين الرابض على الجبل المطل على عاصمة الامويين، مسافة تقطع بسرعة إقرار البيان الوزاري لأولى حكومات سعد الحريري (الاول).

يبدو الاستحقاق قريبا جدا: سعد بن رفيق الحريري في دمشق يقطع مسافة، خُيِّل لكثر انها كانت تقاس بالسنوات الضوئية! لكن للضرورات احكامها وآليات عمل تبدو، في احيان ظاهرة، شاذة، لكنها في واقع الحال خليط من التاريخ والجيو سياسة والحقائق المُرة التي قبِل الحريري ان يتجرعها منذ ان قرُبت منه رئاسة الحكومة، ومنذ ان قرر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز فتح صفحة جديدة من الوئام العربي تمحي 4 اعوام عجاف، والاهم تمحي خصوصا لقاء الدقيقتين والكلمتين، بين الزعيمين في احد المطارات السعودية، ربيع العام 2005!

اذن، شُكلت الحكومة وسلك لبنان طريقا مستقيما بغطاء عربي ومظلة دولية، و... برعاية سورية تنبئ بعودة من الباب الواسع.

ازمة بحجم تاريخ!

لم يشهد لبنان أزمة حكومية على غرار الأزمة الاخيرة، باستثناء تلك التي حصلت في العام 1969 في أعقاب الصراع الذي اندلع في لبنان عشية دخول الجماعات المسلحة الفلسطينية إلى أراضيه وإقتطاعها إمارات لمصلحة "العمل المقاوم"، وتسببها في أحداث دموية بعد تظاهرات جرت في الثالث والعشرين من نيسان (أبريل)، ولم تنته إلاّ بعد توقيع اتفاق القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) بإشراف الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وهو اتفاق أعطى الجماعات الفلسطينية آنذاك الحق بالعمل المسلح ضد إسرائيل انطلاقا من الأرض اللبنانية.

لم يكن تشكيل حكومات لبنان منذ استقلاله معزولا عن التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية. لكن التدخل تفاوت وفق طبيعة المعضلات ومدى علاقتها بالأزمات والتطورات المحيطة.

الازمة الاخيرة وجه من وجوه تناسل الازمات على امتداد الجمهوريتين، بدأت منذ لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أربعة اعوام، وما أعقبها من انسحاب للجيش السوري، مرورا بالحرب الإسرائيلية في تموز (يوليو) 2006، وصولا الى احداث الخامس والسابع أيار (مايو) 2008، وكلها أحداث وصلت الواقع اللبناني بحبال غليظة مع ما يحيط به، وجعل الحياة السياسية اللبنانية اسيرة المدار الخارجي، وصنيعته في احيان كثيرة.

حكومة ثلثا العهد

تبدأ حكومة سعد الحريري عملها الفعلي بعد عيد الاستقلال الذي حُدد مهلة حث لانجاز البيان الوزاري ومثولها امام البرلمان لنيل الثقة، على ان يدشّن الحريري مهامه بجولة خارجية تشمل (وربما تبدأ) من سوريا، المحطة الاكثر اثارة في تظهير المشهد الآتي.

ثمة انطباع واسع بأن حكومة الحريري ستكون حكومة ثلثا عهد ميشال سليمان، وحكومة كامل ولاية المجلس النيابي. شُكلت على هذا الاساس، ودُعّمت لتتحمّل مشاق اربع سنوات آتية.

اصلا، لا يتحمّل لبنان مخاض يشبه مخاض الاشهر الخمسة الفائتة، ولا تحتمل الرعايات القريبة والبعيدة مشقّة كالتي قبلت -صاغِرة- ان تتحملها في سبيل تظهير اولى حكومات الحريري الابن. فلا الاولويات الغربية في المنطقة تلحظ مشاكل لبنان وجزئيات صراع السلطة فيه، ولا الاولويات العربية راغبة في ان تكون مساحة لا تتعدى مساحة مدينة او صحراء، سببا متجددا لخلافات وانقسامات وتشوّهات.

وثمة انطباع واسع ايضا ان دمشق كان لها البارع الاطول في تشكيل الحكومة، تسهيلا وربما ضغطا على حلفاء لوقف استنزاف سعد الحريري الذي من شأنه، في حال استمراره، ان ينسحب ترهلا في الحكومة الوليدة وضعفا غير مبرر في السلطة الاجرائية التي تنتظرها استحقاقات كثيرة، ترغب دمشق في ان تتصدى لها حكومة لبنانية قوية وصلبة!

الصحيح الاكثر اصحاحا ان تطورات لبنان تسير وفق الساعة الإقليمية ولا وقت لحسابات صغيرة او شخصية.

بعد زيارة الرئيس العماد ميشال سليمان الى دمشق، بفارق ساعاتٍ عن تشكيل الحكومة الجديدة، وبعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى باريس، بفارق أيام عن مغادرة بنيامين نتنياهو عاصمة الاضواء، بات واضحا أن التطورات اللبنانية تندرج ضمن التوقيت الإقليمي، وتتمُّ وفق ساعة الخارج، حصرا.

فالاقليم كله من ادناه الى اقصاه، على فوّهة استحقاقات جذرية، من الرغبة الجادة في إنجاح مساعي التسوية وإعادة إطلاق مسارات التفاوض (وعواقب فشلها؟)، الى معالجة النقاط المتوترة في العراق وافغانستان وباكستان واليمن وايران.

القمة والنسق الاقليمي الجديد

ويرى ديبلوماسيون أن القمة اللبنانية - السورية الخاطفة جاءت لمواكبة التطورات المرتقبة على المساحة الاقليمية، وخصوصا وسط تأزم في اكثر من اقليم ومحور، وفي ظل اصرار اوروبي – اميركي على تحريك مياه التسوية السلمية. لذا من المتوقع ان تفعّل بيروت ودمشق تشاورهما وخصوصا على مستوى التنسيق في التعامل مع التطورات في كل ما يتعلق بمساعي السلام الجارية او المزمع اجراؤها، بحيث تكون العاصمتان على تماس مباشر مع مقتضيات النسق الاقليمي الجديد على مستوى رباعية دمشق والرياض وانقرة وطهران، المحور الجديد الفاعل الذي سيعيد رسم الكثير من الخرائط السياسية.

وعلى هذا الأساس، تتطلع الرباعية الاقليمية الجديدة الى أوراقها الممكنةِ والمرجِّحة. فالمملكة العربية السعودية تحضِّر لتحريك مبادرة السلام العربية، وسوريا تتموضع على خط الانطلاق مجدداً بالتفاوض غير المباشر مع اسرائيل، وتركيا تستعد لوثبات عملاقة، وايران تراقب وتترقّب، فيما إدارة باراك حسين أوباما تجسُّ النبضَ في المسارات غير الفلسطينية، وتحديد المساران اللبناني والسوري.

ويعتبر الديبلوماسيون ان لا مفر للبنان، حيال هذه التطورات المرتقبة والقفزات النوعية المتوقعة، من اعادة التأسيس في مشروع الدولة، بمؤسساتٌ وإدارة صالحة، بحيث تكون قادرةً لحظة الاستحقاق الإقليمي، على مواجهة التحديات المطلوبة منها، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وفي شتى المجالات.

ويلفت الديبلوماسيون الى ان القمة اللبنانية – السورية التأمت في ظل ظروف جديدة مساعدة مختلفة تماما عن أجواء قمة آب (أغسطس) 2008 التي أرست قواعد جديدة للعلاقة اللبنانية - السورية. وتختصر هذه المتغيرات في ثلاث مصالحات:

-المصالحة الدولية مع سوريا بعد مراجعة ايجابية للدور السوري في لبنان، بعد اتفاق الدوحة.

-المصالحة السورية - السعودية التي انعكست انفراجا لبنانيا، وشكلت عاملا مساعدا في تسريع وتيرة العلاقة السورية -اللبنانية، كما اتاحت للبنان الدخول مباشرة على خط تفاهمات عربية واقليمية تمثل سوريا شريكا أساسيا فيها.

- المصالحة اللبنانية مع القيادة السورية، وهي تُختصر بمصالحة سعد الحريري ووليد جنبلاط، في مؤشر حاسم الى طبيعة المرحلة المقبلة وتحولاتها، ان على صعيد دور سوريا في لبنان وعلاقتها بأطرافه، أو على صعيد التوازن السياسي الداخلي الذي سيغادر تدريجيا مرحلة الانقسام الحاد بين معسكرَيْن يقْربان ان يقتصرا على عسكر بلا ضباط!

ليست هناك تعليقات: