الأحد، 8 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content

في عشرينية الطائف اسئلة بحجم الازمات المتناسلة

التأزم الحكومي يُقفَل بحلّ موقت لا يعالج باعث العقد

3 مقاربات على هامش زيارة جان كلود كوسران و"التفكّر حول لبنان"

تكريس "لويا جيرغا" لبنانية حيث الحكم للقبائل والعشائر المذهبية؟!

ينشر في "الاسبوع العربي" في 16/11/2009

قد تكون اكثر من صدفة تزامن عشرينية اتفاق الطائف (4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989) مع ثاني اشد ازمات متفرعات نصوصه وثغره، بعد الازمة الرئاسية (تشرين الاول /اكتوبر 2007 – ايار /مايو 2008) التي كشفت عورات دستور الجمهورية الثانية، وافترضت في حينه انه سيصار في اول فرصة سانحة الى النظر فيها للحد من تأثيراتها، مقدمة لايجاد النصوص الجديدة المناسبة التي تحقق الغاية من التعديلات الدستورية من غير ان تمس لا جوهر الاتفاق ولا الهاجس السني الدائم من اي تغيير يعيد الالق الى المارونية السياسية الغابرة.

في عشرينية الطائف، الاتفاق والوثيقة والمداولات المكتومة والمحاضر المحظورة، تبدو الاسئلة بحجم اتفاق الضرورة، وربما اكبر، ذلك ان الاتفاق وُضع بعناية الصائغ العربي، فوضع حدا لوزر الحرب العبثية، لكنه اتاح حصرا ادارة خارجية للجمهورية الثانية الناشئة، وجرى تقاسم السياسة والامن من جهة والاقتصادر من جهة ثانية. لكن ما غاب عن هذا الصائغ سؤال جوهري: ماذا لو غابت الادارة الخارجية او اختلفت؟ ماذا يحل بهذا الرضيع الناشئ؟ وهل السبيل سالكٌ بيسر لاستبدال ادارة (هي وصاية) بأخرى؟

ربما كان اتفاق الطائف أفضل ما أمكن التوصل إليه، إطارا لإنهاء الحرب. ويميل البعض إلى تحميل دمشق مسؤولية حرف الاتفاق - الوثيقة عن سبيله، في حين يعتبر البعض الآخر أن الاتفاق وضع صيغة جديدة للسلطة تقوم على التساوي بين مسلميه ومسيحييه، لكن فاته (او تقصّد الرعاة) ان يرسم أسسا مبتكرة للمواءمة بين هاجس التوازن وضرورات الحكم وآلياته، مكتفيا بوضع أطر إجرائية لتنظيم التعايش، ليتبين مع الوقت أن زعيم كل طائفة انصرف الى تطويع هذه الأطر بما يخدم سلطته على حساب المصلحة العامة. وتاليا، تبيّن بعد انفضاض الرعاية، ان الطائف الذي عُوِّل عليه ليكون الفيصل في حسم الخلافات، صار جزءا من الازمات وومكبلا وغير قادر على حلها في الاحد الاقصى، وعلى ادارتها في الحد الادنى!

بعد الازمتين

اذن، بان مرجُ ما بعد الازمتين الرئاسية والحكومية: اضرار كبيرة وتشققات خطرة وسيل من التصدعات التي لم يعد يصلح او ينفع ترقيعها وترميمها بالاسمنت التقليدي اياه. وانجلت الازمة الحكومية تاركة جراح مثخّنة يصعب اندمالها ما لم يبادر اهل النظام الى ورشة اصلاحية – دستورية – سياسية غير كلاسيكية تستكمل فعليا ما تم تداوله في كواليس دوحة ايار – مايو 2008. يومها كان واضحا ان الاتجاه العربي والاقليمي والدولي يؤول الى احتضان ورشة مماثلة تبدأ مع انتهاء العام الاول من سداسية ميشال سليمان الذي من المفترض ان يكوت قد توّجه بترميم المظلة الدولية التي تقي لبنان مخاطر الارهاب واسرائيل وتتيح له بدء الورشة الموعودة بالتوازي والتكافل: دستورية ومالية – اقتصادية.

كان من المفترض ان تنطلق هذه الورشة مباشرة بعد الانتخابات النيابية التي تنهي مفاعيل حكومة الدوحة، حكومة ما بعد السابع من ايار (مايو) 2008، حكومة وفاق الحد الادنى. لكن حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر، فتعقّدت من جديد ازمة حكومية هي في حقيقتها جولة جديدة للانتخابات النيابية التي لم تضع اوزارها في السابع من حزيران (يونيو) الا على ورق وزارة الداخلية!

إلغاء ام انقلاب؟

كتب البير منصور، زمن الجفاء مع دمشق، "الانقلاب على الطائف"، كشهادة واحد من السياسيين الذين عايشوا ولادة اتفاق الطائف وشهدوا تطبيقه. وهو يقول ان اتفاق الطائف أصبح اثنين: الاتفاق المكتوب والاتفاق المطبق. في الاتفاق المكتوب فصول وفي الاتفاق المطبق فصول، وشتان ما بين الاثنين، فتلك تقسيمات للفهم ملؤها صدق النوايا، وهذه حبائل احتيال ومسرحيات تآمر. حلل واقع الطائف واظهر مكامن الخلل في التطبيق وأهمية الأخطار الناجمة عنه والمعالجة الممكنة، جيبا على سؤال مركزي: كيف تحول الحل إلى مأساة أدهى من الأولى وأشد مرارة؟

وثمة من يعتقد ان جهات لا تزال تعمل على إلغاء هذا الاتفاق تدريجا، وصولا الى تحقيق توازن من نوع آخر، ينسف المناصفة.

كانت الغاية المرتجاة من الطائف، انهاء الحرب وبدء مسيرة اعادة الدولة. اما اتفاق الدوحة فمختلف تماما، هو يشبه الى حد بعيد اتفاقات وقف اطلاق النار خلال مراحل الحرب اللبنانية، فيُظن للوهلة الاولى انها كتبت النهاية. لكن سرعان ما يلمسون انها مجرد هدنات واستراحات.

ويعتقد اصحاب وجهة النظر هذه ان اتفاق الدوحة الذي رعته سوريا وقطر رمى الى شرعنة ما حصل في السابع من ايار (مايو) 2008، واستطراردا فتح الباب لمن قام به لقطف ثماره السياسية من خلال دخول السلطة من الباب العريض والتحكم بها بواسطة الثلث المعطل، ومن ثم الركون الى الصبر في انتظار ظروف استكمال القوة ونضج المناخ الاقليمي لإلغاء اتفاق الطائف وتنصيب اتفاق جديد ينسف المناصفة ويؤسس للمثالثة!

ويذهب البعض الى ان اتفاق الطائف تعرض الى الإلغاء قبل أن يجف حبره. ويقول إن مرحلة ما بعد الطائف حتى العام 2005 شهدت في الواقع تطبيق "الاتفاق الثلاثي" الذي وقّعه في دمشق في العام 1987، قادة الميليشيات، وكرس المحاصصة، حيث كل طائفة صنعت مملكتها، فصار قصر لرئيس مجلس النواب وآخر لرئيس الحكومة. بعد العام 2005، آلَ الحكم الى الاتفاق الرباعي، فحلّ مكان الدستور ليكون المرجعية التنظيمية لتقاسم السلطة. وبعد السابع من ايار (مايو) 2008 حل اتفاق الدوحة، وظّل الدستور مستباحا لمصلحة المنطق الميليشيوي لتقاسم الجبنة، فيما الطائف يتنافى وهذا المنطق ولا يتلاقى مع شرعيات الامر الواقع. واستطرادا، يكفل التطبيق السليم لاتفاق الطائف انتظام السياسة والاستقرار، لأنه يكفل سيادة سلطة الشرعية الدستورية. لكن الظرف الإقليمي لم ينضج بعد لفرض تطبيق الدستور، وتاليا لا يزال استقرار لبنان بندا مؤجلا على الأجندة الإقليمية.

اذن، هل اتفاق الطائف لم يكن ناجعا في معالجة الازمة؟

يجيب هذا البعض: «فلنطبق اولا كل الاتفاق قبل القول بثغرات فيه. لا بل ان تطبيقه ينفي لاحقا ما يبرز راهنا من ثغرات ولا سيما على مستوى صلاحيات رئيس الجمهورية.

كوسران والاسئلة

في الاسبوع الاول من تشرين الثاني (نوفمبر)، حضر الى بيروت رئيس الأكاديمية الدبلوماسية الدولية ADI السفير جان كلود كوسران، مهندس حوارات لا سيل سان كلو، الضاحية الراقية المجاورة لباريس، مستكملا حوارات حزيران (يونيو) الفائت عن "التفكر حول لبنان". التقى مع عدد من المسؤولين والشخصيات والاعلاميين على سبر الازمة الحكومية وسبل انهائها. وكان انطباعان: إما ان يسهّل تشكيلها على وجه العجلة، وإما ترحيلها الى حين قد يكون بعيدا.

اما الفكرتان اللتان طرحتا للنقاش المعمّق، فهما:

1-هل الازمة مقصودة لإظهار وإبراز عدم صلاحية اتفاق الطائف، واستطراا عجز نظام الجمهورية الثانية على الاستمرار في ادراة البلد، خصوصا ان الجهتين اللتين تتهمها قوى الرابع عشر من آذار (مارس) بالتعطيل، هما "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، والاثنان سبق ان التقيا -عفوا - قبل 20 عاما على رفض اتفاق الطائف، كل من موقعه الايديولجي والسياسي، وعادا ليلتقيا في السادس من شباط (فبراير) 2006؟

2-هل الازمة مولود النظام اللبناني الديمقراطي التوافقي، الهجين والفريد من نوعه على مستوى الديمقراطيات؟ واستطرادا، هل الحل في حكومة الاكثريات الطائفية والمذهبية في مقابل معارضة الاقلويات؟ واذا ذاك فليُطلق العنان لمنطق "اللويا جيرغا" (عبارة بشتونية نسبة الى قبائل البشتون التي تمثل غالبية الأفغانيين، يعني الشطر الأول "الكبير أو الموسع" والثاني "اجتماع الصلح أو مجلس المصالحة"، أي مجلس المصالحة الموسع)، ولتكن اجتماعات موسمية لمجلس عشائري أو قبلي، حيث الوحدة السياسية الفاعلة هي العشيرة والقبيلة، بذراع عسكرية تؤمنها الميليشيات القبلية!

3-هل الازمة تناسل لتأزمات الاقليم؟ واستطرادا، هل الحل النهائي متعذر راهنا، ولا بد من الركون الى "لا منطق" الحلول الموقتة في انتظار زمن التسويات الكبرى، على غرار تسويات منتصف السبعينات وبداية التسعينات؟

لا شك ان مقاربات حلقات النقاش لامست هذه الاسئلة الثلاث وغاصت في متنه تشريحا. ومن نافل القول ان كل من هذه المقاربات لاقت من تبناها ومن استرسل في الدفاع عن وجهة نظره، لكن من دون التوصل الى الاجابة السهلة الممتنعة على السؤال الدراماتيكي المحيّر: هل كتب على لبنان ان يبقى اسير تناسل الازمات، فلا يرتاح الا بإنفراط مسببات الازمات المحيطة والتي تزداد حدة وتشعبا؟

ليست هناك تعليقات: