الفراغ يلج شهره الرابع .. والمسؤولية عن العرقلة تتوزّع بين الداخل والخارج
الحكومة استنفدت الصمت والمخارج الخلاقة والوقت الاضافي!
كوشنير في بيروت يستعرض ويصوّب ويتقلّب ويهادن في آن!
حرب مبكرة في البترون على النيابة من باب الوزارة
ينشر في "الاسبوع العربي" في 2/11/2009
استوى الفراغ الحكومي في شهره الرابع، وسلّمت العامة بفشل ساستها في ادارة 10 آلاف كيلومتر مربع من الترسّبات والتشرذمات والنكايات، فيما النصائح القريبة والبعيدة تهطل على شاكلة موفدين ومسؤولين، جلّهم يبحثون عن دور، وقلّة جديون قادرون على مقاربة موضوعية لهذا المعجن من التناقضات الذي اسمه لبنان.
اشارة الزائر المثير للجدل، وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير في الثالث والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر)، ومن قصر بعبدا بالذات، الى "وجود عقبات خارجية تحول دون تشكيل الحكومة"، وتشديده على "وجوب قيام الدول الخارجية بالتزاماتها"، وتنويهه الى ان "لقاء الاسد - عبدالله كان جيدا جدا لكننا لم نشهد حكومة في لبنان"، كلها مؤشرات تدل الى ان كوشنير جاء الى بيروت بإنطباع مسبق بأن تعطيل الحكومة امر خارجي غير مرتبط حصرا بالمناوشات الداخلية على وزارتي الاتصالات والعدل، وصولا الى حد التلميح -اتهاما - الى دمشق في معرض تحديده المسؤوليات عن تعثّر التشكيل.
لكن تشاؤم الزائر الفرنسي الاستعراضي ما لبث ان استحال تشاؤلا قبيل مغاردته بيروت، فغيّر في صوغ افكاره من غير ان يخرج عن تحفّظه، فهو سمع من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ومن رئيس البرلمان نبيه بري ومن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، كلاما جعله يأمل في تعجيلٍ ما يصيب الملف الحكومي.
بالطبع، لم يرق الكلام المتقلب لرئيس الديبلوماسية الفرنسية، حلفاء دمشق التي صوّب عليها مرتين: اولى بإلغاء زيارته لها احتجاجا على اعتقال الناشط الحقوقي هيثم المالح، وثانية بوضعها تلميحا في خانة العوامل الخارجية المعرقلة للحكومة.
ليس مستساغا
اصلا، دمشق لا تستسيغ رئيس الديبلوماسية الفرنسية، وطالما اتهمه مسؤولون سوريون بتملّق اسرائيل آخذين عليه أنه لا يفوّت جهدا لعرقلة التقارب الفرنسي – السوري الذي يقوده شخصيا - بنظر هؤلاء - الرئيس نيكولا ساركوزي، عبر مساعده الاوثق كلود غيان، صديق السوريين هو الآخر. ويحمّل السوريون كوشنير مسؤولية غير مباشرة عن الاخراج السيئ لمسألة توقيع الشراكة الاورو – متوسطية مع سوريا، وعن اصرار هولندا على التحفظ عن التوقيع بسبب اعتراضها على وضع حقوق الانسان في سوريا (وهو ما يعرف بالشروط السياسية الخاصة بسوريا)، هذه الشراكة التي تعثّرت بفعل الاخراج الذي جعل دمشق كأنها في موقع المهرول، في حين ان الاتحاد الاوروبي منحها من الجمل اذنه، بحيث قرر دعمها بنحو 250 مليون يورو للتعويض على زراعتها وصناعتها اللتين ستتأثران بفتح الاسواق ورفع الحماية والدعم عن الزراعة والصناعة السورية، بينما منحت الجزائر اكثر من ضعف هذا المبلغ "لتعويض خسائرها من الرسوم الجمركية ونفقات تأهيل الصناعة"، وكذلك الاردن ومصر.
في أي حال، اتهم كوشنير دمشق، ساعاتٍ بعد اعلان الكي دورسيه ارجاء زيارته الى سوريا من ضمن جولته في اسرائيل والاراضي الفلسطينية، من دون توضيح السبب سوى ما قيل عن عدوله عن زيارة تل ابيب اثر منعه دخول غزة (لماذا ابقى على زيارة بيروت لو كان هذا السبب الفعلي؟)، وايامٍ بعد الرسالة التي بعثها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي يعلمها فيها "تردّد" دمشق في شأن توقيع اتفاق الشراكة في انتظار ان تنهي درس "تفاصيل الاتفاق وتقويم تأثيره على اقتصادها وخصوصا على القطاعات الإنتاجية التي ستتأثر مباشرة بإلغاء الرسوم الجمركية على دخول البضائع الأوروبية"، علما ان دمشق تجهد منذ العام 2004 كي توقّع هذه الشراكة، وهي هللت للاتفاق عندما نجحت ادارة ساركوزي في الضغط على هولندا كي تسحب تحفظاتها، ولا بد انها اشبعته درسا منذ جمّد جاك شيراك هذا المسار اثر قمة النورماندي والقرار 1559. ونقلت "لو موند" عن مصدر سوري رسمي رفيع المستوى قوله: "أولاً يتكبرون علينا في خلال خمس سنوات ومن بعدها يتكرمون علينا بسبعة عشر يوماً لنقرر... هذا ليس أسلوبا!".
بين العرقلة والتسهيل
لم يتّهم كوشنير دمشق حصرا عند وصوله، ولم يعد عن اتهامها عند مغادرته. لكن لائحة الاتهام جاءت مناقضة لمقاربات عدة ساقها قياديون في قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، برّأت العاصمة السورية من التعطيل وحصرته بطهران على خلفية جملة من المؤشرات جمعها هؤلاء القادة على امتداد الاسابيع القليلة الفائتة.
في مؤشرات العرقلة والتسهيل، وما لفّ لفهما من محطات مهمة، يُقرأ الآتي:
1-حرْص رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية على تعميم رغبته في "التنازل" والاكتفاء بوزارة دولة، مباشرة بعد لقائه بالعماد ميشال عون وبعد اتصاله بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. واللافت ان هذا التعميم جاء على رغم معرفة فرنجية بما سيدلي به عون بعد ظهر الاربعاء في الواحد والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) من مواقف اعتبرها زعيم الرابية ضرورية لـ "اصلاح" مناخ الاغراق بالتفاؤل.
ويرى القياديون في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) ان فرنجية، صديق آل الاسد، اصر على تعميم هذا الموقف، على رغم علمه انه سيسقط من يد عون ورقة المساومة على الوزارة الخامسة المارونية، وذلك كي يستبق أي اتهام محتمل لدمشق بالمساهمة في عرقلة تشكيل الحكومة. وهو بذلك جعل القيادة السورية براء من تهمة التعطيل، لأن حليفها الاول والصديق السرمدي، قرر التنازل طوعا والى اقصى حد في سبيل التسهيل. فكيف يستوي، بعد ذلك، اتهام هذه القيادة بما هو مغاير لموقفها هذا او بمجافاتها التفاهم الذي ارسته قمتا جدة ودمشق؟
ويشير هؤلاء الى ان فرنجية استسهل، كرمى لهذا التسهيل، اغضاب انصاره ومحازبيه الذين عبّروا علنا عن امتعاضهم بوزارة الدولة ثمنا بخسا لكل ما قدمته "المردة" في تحالفها مع "التيار الوطني الحر"!
2-الاجتماع الذي جمع في دمشق، بداية الاسبوع الثالث من تشرين الاول (اكتوبر)، مختلف تلاوين المعارضة وتخلله تشاور مستفيض في مسار تأليف الحكومة، وهو الاجتماع الذي بقي بعيدا من التداول، واستتبِع بموقف هو الاول من نوعه منذ البيان السوري الرسمي اثر قمة دمشق، "اكد" فيه الرئيس بشار الاسد (حرص على استعمال صيغة التوكيد) من خارج النص او المناسبة (استقباله رئيسة فنلندا تاريا هالونين) "وجهة نظر سوريا بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعيد الوضع في لبنان إلى حالته الطبيعية وإلى دوره الطبيعي بعد سنوات من الاضطراب والانقسام".
3-اللقاء الذي تردد انه جمع الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله بالمسؤول عن الاتصالات السياسية في "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، الاثنين في التاسع عشر من تشرين الاول (اكتوبر)، والذي شرح فيه باسيل مقاربة التيار لـ "الاغراق التفاؤلي" الذي شهدته الايام السبعة التي سبقت هذا اللقاء، وما سيعود العماد الى قوله عون بعد يومين.
حرب في البترون
4-الاجتماع المسيحي في معراب الذي اعاد تفعيل التواصل بين الاحزاب المسيحية في قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، والذي بنتيجته "حدّد" رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع ما هو مسموح وما هو محجوب عن "حزب الله" وحلفائه، أي وزارتي الاتصالات والعدل. وهذا التحديد هو ما اخرج عون عن طوره ودفعه الى قول ما قاله الاربعاء، وخصوصا ان وزارة العدل ستمنح الى بطرس حرب تحديدا، خصم صهره في البترون. واستطرادا، لن يكون سهلا ان يتربّع حرب على وزارة شبه سيادية لاربع سنوات متتالية ليخرج، في انتخابات 2013، الى معركة كسر عظم جديدة!
ويقول القياديون قوى الغالبية ان عون يحاول استبعاد حرب من الحكومة كرد مباشر على عدم اعطاء الاتصالات لباسيل أو على الأقل لقطع طريق اسناد وزارة العدل اليه ومطالبته بها كتعويض عن الاتصالات. ولم تكن مطالبته بست حقائب وزارية الا لمنع توزير حرب أو الدخول في مقايضة تؤمن له العدل بديلا من الاتصالات.
5-الصمت السياسي المطبق الذي يتّبعه "حزب الله" وحركة "امل"، وهو تجلى في اكثر من مناسبة.
6-التدقيق مجددا في صحة ما نقل عن السيد نصر الله لجهة قوله "على 14 آذار (مارس) نسيان امر الانتخابات النيابية والا فلا حكومة".
7-التمعّن تكرارا في ما سمعه في دمشق مسؤولون عرب: "ندرك ان جلالة الملك (السعودي) ارجأ القمة مرارا حتى حصل على وعد رئاسي بالتسهيل في لبنان. لكن تأثير ايران على "حزب الله" اقوى من تأثيرنا. دمشق فعلت ما عليها، فتلبحثوا الامر مع الطرف الثالث"!
8-الهجوم العنيف غير المسبوق الذي شنته على ايران صحيفة "الوطن" السعودية، شبه الرسمية في الثاني والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر)، وحمل دعوة صريحة الى المواجهة: "النار الفارسية تحاصرنا من الشمال (العراق)، والآن من الجنوب (اليمن)، ونحن لدينا ألف عود ثقاب، ونستطيع أن نشعل ألف حريق في بلاد فارس لأنهم - كما يبدو - لا يفهمون سوى هذه اللغة"!
9-العرض المضاد الذي تقدّمت به طهران ردا على عرض مجموعة الست لتخصيب اليورانيوم في روسيا وفرنسا، ما ادى الى تأزم على هذا المستوى، قد ينسحب سلبا على لبنان. والتأزم هذا لن يجد مساحة افضل من الحكومة المعلّقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق