الاثنين، 19 أكتوبر 2009

Sphere: Related Content

تسعيان الى منع توتر جديد بين اسرائيل و"حزب الله".. والى اختراق على مستوى التسوية السلمية

باريس وواشنطن: مقاربتان مختلفتان لتهدئة تائهة

باريس لا ترى ان تل ابيب قادرة راهنا على شن حرب لكن الخطط جاهزة!

انتكاسات واشنطن اتاحت قيام محور ناشئ بين طهران وانقرة ودمشق

ينشر في "الاسبوع العربي" في 26/10/2009

بين انفجار مخزن الذخيرة في خراج بلدة خربة سلم الثلاثاء في الرابع عشر من تموز (يوليو)، وتفجير معدات التنصت في وادي الجمل الواقع بين بلدتي حولا وميس الجبل السبت في السابع عشر من تشرين الاول (اكتوبر) وبينهما والانفجار الغامض في طيرفلسيه الاثنين في الثاني عشر من تشرين الاول (اكتوبر)، 3 اشهر كاملة حفلت بالاسئلة والمقاربات الامنية – الاستخبارية، وبالتهديدات الاسرائيلية لـ "حزب الله" بـ "الاقتصاص" منه ومن لبنان، واتهامه بالسعي الى "الاخلال بالتوازن" الهش الذي نتج من القرار الدولي 1701 الصادر في آب (اغسطس) 2006. فماذا عما يشاع عن احتمال الحرب؟ وما موقف دول "اليونيفيل" مما يجري تداوله اسرائيليا؟ وما هي مقاربتا واشنطن وباريس لمشاريع التسوية ونزع الفتيل؟

حمل الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان ومستشار الرئيس نيكولا ساركوزي جان دايفيد ليفيت ومساعده للشرق الأوسط نيكولا غالي، في زيارتهم الاخيرة لسوريا، الملف اللبناني ومسيرة السلام جزءا لا يتجزأ من المقاربة الساركوزية للعلاقة مع دمشق - قيادة ومحورا-، وأبلغ الوفد الفرنسي الى محدّثيه أن عدم استقرار لبنان ليس من مصلحة أحد إلاّ إسرائيل التي تُتاح الفرصة لها، في ظروف عدم استقرار لبنان، لأن تتدخل وأن تحوّل انتباه العالم الى مشاكل تبعدها من طريق السلام.

في هذا الوقت، سُجّل في باريس، في الخامس من تشرين الاول (اكتوبر) اجتماع استثنائي هو الاول من نوعه، جمع رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي ورئيس الأركان الفرنسي الجنرال جان لوي جورجولان، واجتماع ثان استثنائي ايضا ضم أشكينازي ورئيس الأركان الأميركي الجنرال مايكل مولن الذي كان في النورماندي لزيارة المقبرة الأميركية حيث ترقد رفات عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين الذين سقطوا في هذه المنطقة في ربيع وصيف العام 1944.

باريس والملفات اللاهبة

لم يرشح الكثير عن هذين الاجتماعين المنفصلين، اللذين ترافقا مع موجة تهديدات عسكرية اسرائيلية علنية لكل من ايران و"حزب الله"، على خلفية الملف النووي الايراني وما تشتبه تل ابيب الحزب بالاعداد له في الجنوب "لملاقاة" اي ضربة اسرائيلية للمفاعلات النووية في ايران.

وكان اشكينازي قد تحدث في خطاب عنيف في السادس عشر من تشرين الاول (اكتوبر) عن حرب حتمية ضد لبنان يتحضر لها الجيش الإسرائيلي، في سياق حملة إسرائيلية متواصلة عن قيام حزب الله بتعزيز قدراته العسكرية تصاعدت منذ فشل إسرائيل في تعديل قواعد اشتباك "اليونيفيل".

القليل مما تسرّب الى زوار باريس ان المواضيع الساخنة واللاهبة كانت محور الاجتماعين، وخصوصا الوضع في جنوب لبنان من زاوية وجود نحو ألفي عسكري في الكتيبة الفرنسية المنضوية تحت راية القوة الدولية المعززة (اليونيفيل).

من الواضح من مداولات اجتماع اشكينازي بنظيره الفرنسي، ان هاجس باريس الرئيسي يتمثّل في إمكان أن يؤدي اختلال الأمن في منطقة الجنوب، أي في منطقة عمليات القوة الدولية المعززة، إلى تهديد سلامة الكتيبة الفرنسية. فماذا عن سلامتهم في حال اندلاع حرب؟ وماذا سيكون عليه دور "اليونيفيل" في هذه الحال؟ هل تقف مع أحد من الطرفين (وهذا مستبعد) أم تقف على الحياد، وهذا لن يمنع تعرضها الى الخطر والقصف، وصولا الى اتهامها بالتهرّب وعدم القيام بواجبها؟

ومن الواضح ايضا ان باريس لا تزال تحلل الحادث الذي حصل في تموز (يوليو) الفائت حين تواجهت قوة فرنسية مع أهالي قرية خربة سلم لدى محاولتها تفتيش أحد المنازل بحثا عن أسلحة عائدة لـ "حزب الله" على اثر انفجار المخزن.

وهي، انطلاقا من كل ما تجمّع لديها من معطيات استخبارية، تتخوف من عودة احتمال التوتر بين "حزب الله" وإسرائيل، إن بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للأجواء اللبنانية أو بسبب تأكيدات إسرائيلية على استمرار تهريب الأسلحة، وخصوصا تلك الاخيرة التي قالت ان دمشق نقلت الى الجنوب جزءا كبيرا من مخزونها الصاروخي الاستراتيجي.

كما تتخوف باريس من أن يفضي فشل مساعي الحوار والتفاوض بين طهران والمجتمع الدولي إلى انصراف إسرائيل الى توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية ما سيؤدي إلى نسف الاستقرار في الشرق الأوسط والخليج. وتجد باريس نفسها معنية من زاوية أخرى في ما سيحصل، إذ ان لها قاعدة عسكرية في أبو ظبي، ويربطها اتفاق دفاعي بالإمارات العربية المتحدة والكويت. وسبق أن عاودت النظر في اتفاقها الدفاعي مع أبوظبي، وهو يتضمن في أحد بنوده التزاما فرنسيا بأمن دولة الإمارات.

لا حرب راهنا ولكن..

وبناء على التقديرات الاستراتيجية والتكتيكية لاجهزة الامن الفرنسية، ولا سيما جهاز الاستخبارات الخارجي SDECE، لا ترى باريس ان إسرائيل جاهزة راهنا لشن حرب على "حزب الله" بسبب عدم الاستعداد الميداني والعسكري، وعدم جهوزية الداخل الإسرائيلي لحرب طويلة ومدمرة مع "حزب الله"، لكنها لا تنفي وجود خطط إسرائيلية لخوض حرب مقبلة في لبنان انطلاقا من انه "أمر بديهي ومعلوم في الأوساط العسكرية والسياسية، غير أن التخطيط للحرب أمر وشن الحرب أمر آخر". لكن هذه الحرب، في كل الاحوال، لا يمكن ان تقوم الا بتبني واشنطن لها على غرار ما حصل في حرب 2006، او اتفاق أميركي - إسرائيلي على أن تبدأ إسرائيل الحرب وتكملها اميركا. وهذان الاحتمالان، في التقدير الفرنسي، خارج الواقع والسياق الموضوعي والمنطقي بسبب الأوضاع في العراق وأفغانستان، والوضع الميداني المستجد في اليمن.

وفي تقدير الاستخبارات الفرنسية ان ثلاثة أسباب قد تؤدي إلى مواجهة وهي: اسر "حزب الله" جنودا إسرائيليين، ونجاح إسرائيل في إغتيال احد القادة الكبار في الحزب (في اشارة الى الامين العام او نائبه)، واغتيال مسؤول إسرائيلي كبير كرد على اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية.

لكنها ايضا ترى ان تل ابيب قادرة على توظيف اي من الحوادث الامنية في الجنوب (انفجار مجزن ذخائر او وجود سلاح حزبي جنوب الليطاني)، في اتجاه دراماتيكي.

من هنا، لا بد من مراقبة ما سيكون عليه موقف باريس من مشاركتها في القوة الدولية المعززة، لأن سيناريو الحرب سيصبح اكثر من محتمل إن هي اقدمت على سحب جنودها أو خففت حضورها، أو أعادت كتائب "اليونيفيل" تموضعها وانتشارها بصورة مفاجئة.

العوامل النافية

وسط هذه الصورة، تنكب مراكز الابحاث الغربية على مراجعة شاملة للاقليم على وقع التطورات الحاصلة، انطلاقا من قناعة بحثية بأن "أزمات الشرق الأوسط تربط أمنه بالأمن العالمي وتعزز تباعا النفوذ الإيراني".

احد هذه الابحاث، ما نشره كيهان بارجيزار (الأستاذ الزائر في جامعة هارفارد وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة "أزاد الإسلامية" في طهران)، وفيه محاولة للإجابة عن مجموعة من التساؤلات من قبيل: كيف يرتبط أمن منطقة الشرق الأوسط بنظام الأمن العالمي؟ وما موقع إيران ضمن منظومة الأمن العالمي؟ وما الأسباب التي أدت إلى تصاعد الدور الإيراني في المنطقة؟

يقول بارجيزار في البحث الذي نشرته دورية Ortadogu Etutleri بعنوان "إيران والشرق الأوسط والأمن العالمي": (...) "في لبنان أدى صعود العامل الشيعي إلى السلطة إلى تعزيز الدور الإقليمي الإيراني، وذلك من خلال ثلاث مراحل:

-المرحلة الأولى: بدأت مع انتصار "حزب الله" على إسرائيل في حرب صيف 2006، ما عزز الدور الإيراني في الشؤون اللبنانية والفلسطينية من الناحية الاستراتيجية. فالحرب لم تكن حربا تخوضها لبنان وإسرائيل فحسب، بل هي حرب إقليمية بين الولايات المتحدة وإيران عبر وكلائهما، "حزب الله" وإسرائيل. ومن هذا المنظور مهدت الحرب الطريق لحضور إيران المباشر على سواحل البحر المتوسط وعند الحدود الإسرائيلية.

-المرحلة الثانية بدأت مع انتصار "حزب الله" في جولة جديدة من التنافس السياسي الداخلي في ربيع 2008، عندما شرعت الجماعة الشيعية اللبنانية في التصدي لحكومة فؤاد السنيورة الموالية للغرب. ويُعتقد أن الاتفاق بين الطوائف اللبنانية الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الدوحة كان نصرا استراتيجيا آخر لـ "حزب الله وإيران" في منطقة البحر المتوسط.

-المرحلة الثالثة شهدت ازدياد الدور الإقليمي الإيراني نتيجة معارضة طهران الحرب الإسرائيلية على غزة في حرب الـ 22 يوما. وبينما لزمت كل النظم المحافظة العربية الصمت، كانت إيران إحدى الدول الإقليمية الرئيسة التي دانت العمليات العسكرية الإسرائيلية ودعت إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي".

واشنطن: كسر الحلقة المفرغة

تأسيسا على ذلك، تتوقّع مراكز ابحاث اوروبية ان تعمد واشنطن الى كسر هذه الحلقة المفرغة من الحروب والتوتيرات التي ادّت حصرا الى اضعاف وجود واشنطن وتعزيز الدور الايراني، ما اتاح قيام محور ناشئ بين طهران وانقرة ودمشق يميل اليه كثر من سكان الاقليم، وخصوصا في ضوء المواقف التركية الاخيرة من قمع المشاركة الاسرائيلية في مناورات "نسر الاناضول"، الى تنامي الخصام والثقافي والاجتماعي بين الاتراك والاسرائيليين.

وتدرك واشنطن، حيال هذا الواقع، ان التعويل على "القوة الناعمة" و"الاختراقات النظيفة"، هي باب من ابواب كسر هذه الحلقة المفرغة والعبثية من التوتر، وذلك لا يكون الا من طريق طرح مبادرات سلمية تمسّ جوهر قضايا الشرق الاوسط وسبب تفشي النزاعات والتطرف فيه، اي القضية الفلسطينية. من هنا كان التعويل على مبادرة الرئيس الاميركي باراك اوباما، وهي مبادرة بتشعبات عدة، بدأت من خلال صوغ مقاربة جديدة مع الرأي العام الاسلامي انطلاقا من زيارتيه المؤثرتين الى تركيا ومصر، وتستمر من خلال المسعى الى وقف الاستيطان الاسرائيلي كشرط لبدء اختراقات ملموسة على مستوى اعادة اطلاق عملية التسوية تفتح رأس جسر لحوار عربي – اسرائيلي، وإن بصيغة بدائية.

ليست هناك تعليقات: