الاثنين، 29 يونيو 2009

Sphere: Related Content
قراءة ديبلوماسية للبنانَ اكثر استرخاء بعد الانتخابات
تقلّص التوتر و"حزب الله" آخذ الى مزيد من الليونة
9 "وزنات" راكمتها دمشق في رصيدها الاميركي - الاوروبي


ينشر في "الاسبوع العربي" في 6/7/2009
انسحب تقلّص التوتر على مستوى العلاقات العربية البينية، استرخاء على المستوى اللبناني، ولئن بقيت مفاعيل التوترات المحلية السابقة تحكم علاقات بعض القوى السياسية. ويؤذن فتح صفحة سياسية جديدة، بعد اكتمال استحقاق الانتخابات التشريعية العامة (مجلسا جديدا ورئاسة وهيئة مكتب) ومن ثم تكليف النائب سعد الحريري تشكيل ثاني حكومات العهد بمجموع ثلثي اعضاء برلمان 2009، بدينامية متجددة قد تتيح تغيير النمط السلبي الذي ساد في الاعوام الفائتة.
يرى ديبلوماسي رفيع عامل في بيروت، في جلسة تقويم تلت اكتمال المشهد النيابي في ساحة النجمة وتكليف الحريري بدء مسيرة تأليف حكومته الاولى، "اننا ذاهبون الى تهدئة شاملة لا تقتصر فقط على الملف اللبناني بل تتخطاه الى مجمل المشهد في الاقليم، حيث يجري التحضير الى هدنة اقليمية – دولية تنتج مناخا مؤاتيا لحل مستدام في الشرق الاوسط ارتكازا على القضية المركزية في الصراع وهي في الوقت عينه السبب الجوهري والرئيس في حال القلاقل وعدم الاستقرار في المنطقة، وهي قضية فلسطين".
ويشير الى ان ثمة تحوّلا ملحوظا في الغرب تجاه التعاطي مع الحقوق العربية، انطلاقا من فلسطين نفسها، ذلك ان عواصم فاعلة عدة باتت تدرك ان استقرار الاقليم لا يستوي الا بإستنباط حل مستدام للقضية الفلسطينية، استنادا الى حل الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية، وانطلاقا من خطاب الرئيس الاميركي بارك اوباما في القاهرة.
ويرى الديبلوماسي ان المرحلة الراهنة على مستوى الشرق الاوسط وجواره، تقتضي توافر شروط نجاح انتاج الدولتين وبدء تسوية سلمية متماسكة، من خلال تدوير الزوايا وتجميد الملفات ذات الطبيعة الخلافية من العراق الى افغانستان مرورا بلبنان والعراق.
ويعتبر ان ملامح هذه المرحلة المستقرة نسبيا بدأت مع الادارة الاميركية الجديدة في البيت الابيض، وتثبتت عناصرها مع الوجوه التي استقدمها الرئيس اوباما من جورج ميتشل في الايام الاولى لمكوثه في البيت الابيض في شباط (فبراير) الى دنيس روس، نهاية حزيران (يونيو).
ويشير الى ان روس المتخصص في شؤون الشرق الاوسط، عُيّن مستشارا للرئيس باراك اوباما لمنطقة واسعة تضم الشرق الاوسط والخليج وافغانستان وباكستان وجنوب آسيا. وهو بذلك انتقل من منصب عادي في وزارة الخارجية الاميركية كمستشار لشؤون الخليج وجنوب غرب آسيا، الى منصب رئيسي هو المستشار الخاص للرئيس، وعضو فاعل في فريق الامن القومي الاميركي، بعدما سرت تكهنات كثيرة ومتباينة بشأن المهام التي ستسند اليه. ومن المقرر ان يعمل مع مسؤولين كبار على ملفات تشكل راهنا بعض اهم التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الاميركية، بما فيها ملفات ايران والعراق.
التاجر الحميدي
ويعرض الديبوماسي اياه روايته لأماكن "تقلّص الوتر"، نتيجة الاداء الاميركي الجديد، وخصوصا نتيجة الالتفاتة تجاه دمشق التي اجادت لعب اوراقها كـ "تاجر حميديّ" بارع:
-في فلسطين، ظهرت من خلال ضغط سوري على حركة "حماس" اسفر عن ليونة لافتة في خطابها، وتوّج بزيارة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الى القاهرة، هذه الزيارة التي انتجت توافقا بين السلطة الوطنية الفلسطينية و"حماس" على ادارة هادئة للمرحلة حتى كانون الثاني (يناير) 2010 موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
كما ظهرت معالم المرحلة مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) لدمشق.
-في العراق، تبريد المناخ مع الاستعداد الاميركي لاعادة تموضع ضخمة وانسحاب القوات العاملة هناك، في مقابل مساعدة سورية فاعلة لواشنطن على المستوى الامني – الاستخباري، لمكافحة تسرّب مجموعات تنظيم "القاعدة"، وهي امر مركزي في خطط تأمين سلامة انسحاب القوات الاميركية، واستطرادا امن الدولة العراقية.
-في لبنان ظهرت بعدم تدخل سوري مباشر وفاضح في الانتخابات النيابية، مع تسهيل سوري – عربي – دولي لمهمات المراقبين الاوروبيين والدوليين.
ولا يفوت الديبوماسي في هذا الصدد الاشارة الى ان بعض حلفاء سوريا في الاطراف (عكار وطرابلس والبقاع) ذهبوا الى ابعد من هذا التوصيف، بحيث تحدثوا عن دور سوري خفيّ ادى الى التقليل من فرص فوزهم في الانتخابات. لا بل ثمة من يسأل عن سبب عدم "ضبط" جحافل المجنسين المقيمين في سوريا، تجتاح اقلام الاقتراع، خلافا لما كان يحصل في الانتخابات السابقة.
ويلفت الديبلوماسي الى ان هذه الدينامية الايجابية ستنتج بلا ادنى شك تبريد المناخ اللبناني الى الحد الممكن، بحيث تتوافر عناصر تشكيل حكومة لبنانية مهمتها ادارة الامور في انتظار نضوج ظروف وعوامل التسوية السلمية الذي يتحضّر لبنان لكي يكون جزءا رئيسا فيها، فوق الطاولة وليس تحتها.
الرصيد السوري
لكن ماذا عن الاثمان المفترضة التي طلبتها او حصلت عليها دمشق لقاء كل هذه "الايجابية"؟
يلخّص الديبلوماسي مجموع "الوزنات" الذي جمعتها القيادة السورية في رصيدها الاميركي - الاوروبي من مجمل ما "قدّمته"، بالآتي:
1-ابرام مجموعة من الاتفاقات الاستثمارية مع عملاق النفط الفرنسي "توتال". وكان تعثر هذه العقود سببا رئيسا في الموقف السلبي لادارة الرئيس السابق جاك شيراك من دمشق في العام 2004، ابان قمة النورماندي الشهيرة بينه وبين الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، والتي اطلقت في حينه دينامية القرار 1559 وانهاء "تلزيم" لبنان لسوريا.
2-ضم ملف الجولان الى التسوية الشاملة.
3-تعهّد واسع النطاق بوقف الدعم لاي شكل من اشكال المعارضة السورية (مجموعتا نائبي الرئيس السابقين رفعت الاسد وعبد الحليم خدام).
4-تعهّد بتنظيم العلاقة بين دمشق والقاهرة.
5-حصر المحكمة الدولية الخاصة للبنان في مجال الامم المتحدة حصرا، بعيدا من متناول أي عاصمة او جهة او طرف.
6-تعهّد واشنطن بإعادة سفيرها الى دمشق مع بداية هذا الصيف، على ان ترشح الديبلوماسي المناسب بالتشاور مع القيادة السورية.
7-تعهّد اميركي بإعادة النظر في التصنيف "الارهابي" لسوريا، تمهيدا لسحب اسمها من لائحة الدول الداعمة للارهاب.
8-تعهّد اوروبي بإنجاز اتفاق الشراكة مع سوريا، في اسرع وقت، وتذليل ما بقي من تحفظات احدى اوروبية.
9-تعهّد اميركي – اوروبي بتسهيل انضمام سوريا الى منظمة التجارة العالمية.
ويعتبر الديبلوماسي انه ضمن هذا المناخ، سارت امور لبنان الى حلحلة نسبية، فأعيد، ضمن اطار الصفقة المتكاملة على مستوى الاقليم، انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا لدورة خامسة متواصلة على رغم التحفظات الشكلية. كما سيصار الى تشكيل حكومة برئاسة رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري، على رغم كل التجاذب الكلامي الحاصل والذي سيزيد كضرورة من ضرورات التفاوض وتحصيل المكاسب.
حزب الله في التقويم الجديد
وينتقل الديبلوماسي الرفيع في مسار تقويمه التحولات على المستوى اللبناني، الى مقاربة الخُطا التي سيكون عليها "حزب الله"، بعد خلط الاوراق الحاصل في المنطقة. فيبدي اعتقاده بأن الحزب خالف، حيال الارباك الايراني على خلفية ما يحصل اثر الانتخابات الرئاسية، توقعات المراقبين والبعثات الديبلوماسية، بإنصرافه الى خطوات انفتاحية فاعلة بدءا من اللقاء بين امينه العام السيد حسن نصر الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، مرورا بالتعاطي الايجابي مع الملفات الساخنة المطروحة محليا وعربيا. لكن الاهم يبقى النقد الذاتي الذي يمارسه الحزب في شأن مجمل خطابه في الفترة السابقة وصولا الى استقرائه الاتجاهات الشعبية اللبنانية في ضوء نتيجة الانتخابات النيابية.
ويعتقد الديبلوماسي ان الحزب، الذي يجيد القراءة بين السطور العربية عموما، وبين السطور السورية تحديدا، تعززت لديه القناعة بأن الوحدة الوطنية وتماسكها وتضامنها حوله وحول خطابه و"مهمته الجهادية" هي التي تحمي المقاومة وكوادرها، لا منطق الصفقات الايرانية - الاميركية او السورية – الاميركية.
ويختم الديبلوماسي تقويمه بالقول: "على هذه الوتيرة يتحرك لبنان" لا تعقيد ولا انفراج، بل مراوحة بمنحى ايجابي، في انتظار تبلور مجموع الاستحقاقات في المنطقة، فلسطينيا وايرانيا وعراقيا".

ليست هناك تعليقات: