السبت، 11 أبريل 2009

Sphere: Related Content
المتن وجبيل تختصران سياسيا وروحيا صورة الواقعة الانتخابية في الدوائر المسيحية
نجاح توافقية سليمان رهن توفير آليات حكمه
عون – المر: واحد لا يستسيغ الجدل وآخر قيل فيه انه "لو لم يكن ارثوذكسيا لكان مكانه في بعبدا"

ينشر في "الاسبوع العربي" في 20/4/2009
تستعد كل الدوائر ذات الغالبية المسيحية الناخبة الى مواقع قاسية، متكئة على الانقسام السياسي – الحزبي – السوسيولجي الحاصل بين الجماعات المسيحية الروحية. وكل من القيّمين او المتصرفين على الدوائر ذات الحضور المسيحي يخال نفسه انه يختصر المعركة بشخصه او حزبه او مجموعاته. ويقدم المتن الشمالي وجبيل نموذجين عن هذا الصراع يختصران مشهدية التنافس الحاد، فالاول يعطي نموذجا مصغرا عن التنافس بين الجماعات المسيحية الروحية، والثاني يختصر عقودا من علاقة "التنافر" احيانا كثيرة بين الرئيس المسيحي والزعيم المسيحي!
يستعد المتن الشمالي الى واقعة طاحنة بين فريقين اشهرا العداء الانتخابي لبعضهما، واختصرا كل المعركة بهذة الدائرة المؤلفة من 8 نواب (4 موارنة، 2 روم أرثوذكس، 1 روم كاثوليك، 1 أرمن أرثوذكس)، والموزعة على 101 بلدة و348 قلما، وعلى نحو 22000 وحدة سكنية. فيما يقدّر الناخبون في العام 2009 بـ 168279، يقترع منهم، وفق التقديرات المتداولة، نحو 88763 بما نسبته 52.7% من مجمل عدد الناخبية.
اختصار المعركة على مستوى الدوائر المسيحية، بالمتن الشمالي ناتج من ان بعض التقديرات تنحو الى ان من يفوز بهذه الدائرة يفوز بالاكثرية على مستوى البرلمان، وكذلك بالشرعية الشعبية على المستوى المسيحي نظرا الى ان هذه الدائرة توازي اهمية دائرة كسروان -الفتوح وتفوق بالتأكيد دائرة زحلة، المتعارف انها عاصمة الكثلة في الشرق، لان المتن الشمالي خليط ارثوذكسي - ماروني – كاثوليكي – ارمني يشبه كل الدوائر المسيحية مجتمعة، حيث لكل من هذه المجموعات قيمة انتخابية قائمة بذاتها، وكل منها يشكل فارقا على مستوى الاقتراع.
يتوزع المقترعون المحتملون طائفيا، وفق الآتي: 46883 من المسيحيين (94%)، 1611 من السنّة (1.8%)، 1248 من الدروز (1.4%)، 77 من العلويين (0.1%)، في حين تبلغ نسبة الناخبين من الشيعة 2.6%.
الانتقال - الفارق
يأتي انتقال ميشال المر من ضفة الى اخرى، ليعطي الواقعة الانتخابية وقعا مغايرا للعام 2005، نظرا الى خبرته في ادارة هذا النوع من المعارك الحادة والشاقة والمقرِّرة.
يروي احد المقربين من المر انه حين عاد إلى مكتبه في مبنى العمارة قادماً من لقائه الأول مع العماد ميشال عون في منتصف أيّار 2005، ، لم يخفِ ارتياحه.
قبل لقاء الرابية الذي وُصف بالبروتوكولي من حيث الشكل، كان إمكان التحالف مع العماد عون مطروحاً في مجالس المر الخاصة، وكان يلقى استحساناً حتى لدى أولئك الذين كانوا على علم بحركة الوساطات القائمة بين المر وامين الجميّل والتي ظل الاخير ينفيها بإستمرار.
بعد نحو الشهر من هذا الاجتماع، انطلقت وتيرة الاتصالات بين الرجلين. وتولّى فؤاد الأشقر (احد مساعدي عون ورفاقه في حرب التحرير، والضابط الذي تدخّل "دولة ابو الياس" شخصيا من اجل اخراجه من السجون السورية في العام 1990) مسؤولية الاتصال بالمر والاتفاق على كثير من التفاصيل لكي لا يبقى الشيطان ساكن هذا الاتفاق، وثالثهما!
لكن على رغم كل الاتصالات والوساطات، ظل هذا التحالف موضعيا اقرب الى الإلتقاء الانتخابي. وعلى رغم ان المر ظل يجاهر بأنه يكن للعماد عون الودّ، فإن عون ظل حتى الامس يُمنن أبا الياس بأنه هو من انقذ نجله ووحيده من انتفاضة سمير جعجع وكريم بقرادوني على الياس حبيقة في مبنى الكرنتينا الشهير، فأخرجه من هناك بدبابة وأمّن وصوله الى اليرزة سالما سليما، على رغم التصاقه في حينه بحبيقة. كما ان قاعدة "التيار الوطني الحر" ظلت على وجَلٍ اقرب الى الخجل من هذا الالتقاء، نظرا الى التاريخ الشخصي المتأزم بينهما، والسهام المصوبة بإستمرار الى المر متهمة اياه بـ "العمالة" لسوريا وبالفساد السياسي وشخصنة المتن وجمع الحاشية على اساس المنفعة الشخصية، هذه الاتهامات التذي عُلّقت قبل اقل من شهر من تحالف العام 2005، وما لبثت ان استئنفت حتى قبل الانفصال في العام 2008.
دأب حزب الطاشناق مرارا في محاولة رأب الصدع بين المتصادِمَين. فلكيهما الفضل في ابقاء الحزب الارمني الاكثر انتشارا على قيد الحياة: المر مع بدء الجمهورية الثانية في العام 1990 وهو قدّم كل الحماية والعدة اللوجستية ليظل الطاشناق حيا ومن ثمّ طاغيا على القرار الارمني، وعون مع بدء جمهوريته في العام 2005 وهو احتضن هذا الحزب وجعله يعود سريعا الى تراثه في الالتفاف حول الزعامة المسيحية. لكن كل محاولات الطاشنق كانت تقود في النهاية الى الطريق المقطوع عينه: الصدام والافتراق. فلا عون يستسيغ الجدل واهله وانسباءه، ولا المر يرضى أن يكون الرقم 2، وهو الذي كُتِب فيه مرة في عزّ سطوته الانتخابية والسياسية ملِكا على عرش بلا تاج او صولجان: "لو لم يكن ارثوذكسيا لكان مكانه في بعبدا"(!)، وهو الذي اتخذ شعاره الشهير "ميشال المر لبنان".
اذن، هو الطبع الذي يغلب بإستمرار التطبّع. وهو نفسه الذي قاد الرجلين الى القطيعة الراهنة. وهو نفسه الذي سيفصل بينهما منتصف ليل السابع من حزيران (يونيو).
يجزم الاثنان بالفوز.
يجزم المقربون من عون ان المر اسرّ لدائرته المغلقة انه قد يكون تسرّع في اعلان الانفصال وان عون "ما طوّل بالو"، في حين يقول المقربون من المر ان لا كلام خارج صندوقة الاقتراع حيث الفصل و"عودة المتن الى العمارة".
جبيل: رمزية الرئيس والزعيم
تظهر انتخابات جبيل وقضائها هذه السنة قليلة الشبه بانتخابات العام 2005، انطلاقا من ان عوامل عدة جديدة حلّت من شأنها تغيير معطيات وركائز في الصورة النيابية الراهنة، ابرزها انفصالها عن كسروان وفق قانون الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية من بين اهلها.
في السيناريوات المتداولة ان بلاد جبيل قد تشهد منافسة بين اربع لوائح مكتملة (مارونيان وشيعي) من شأنها ان تربك التكهنات واستطلاعات الرأي الوفيرة في هذا القضاء، ذلك ان كثرة المرشحين تخلط مجمل الاوراق، وتجعل من الصعب استباق نتائج صناديق الاقتراع.
لا يسقط فريقا الصراع الانتخابي في القضاء من حساباتهما، عاملا مستجدا لم يكن حاضرا في العام 2005، وهو انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي جاهر تكرارا ان لا مرشح لديه في القضاء وانه لن يكون طرفا في المنازلة المتوقعة. لكن عامل تأثيره يبقى حاضرا، خصوصا ان احد المقربين منه النائب السابق ناظم الخوري اطلق ماكينته الانتخابية، وهو وان ينفي انه مرشح الرئيس سليمان، لكنه يعبّر صراحة عن انه سيكون الى جانبه في حال الفوز. وهذا الامر لا يزعج اطلاقا رئيس الجمهورية.
سُكب الكثير من الحبر عما اسمي تفاهم م.م. نسبة الى الميشالين، وكان لأمين سر تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب ابراهيم كنعان ولرجل الاعمال نعمت افرام تحرك على مستوى الرجلين، لم يأت بنتيجة، فأخرج افرام نفسه من السباق راضيا بالحياد وبنسيبه وليد خوري في جبيل، في حين اغلق عون لائحتيه في كسروان وجبيل، فاتحا الباب واسعا امام معركة شبه محسومة في الاولى وشرسة ذات دلالة ورمزية زعماتية في الثانية.
عودة الى العشرات الثلاث؟
ليس خافيا ان اكثر من عاصمة ترتاح الى ان يكون لرئيس الجمهورية كتلة نيابية وازنة –لو غير معلنة- تحدّ من الاصطفاف الحاصل بين فريقين، وتتيح له الدور الذي يبغيه توافقيا وقادرا على حسم اي نزاع عندما يصل الى حدّ الطلاق كما تكرر مرارا ابان ازمة الاعوام الثلاثة الفائتة.
وثمة في عواصم القرار او بعضها رغبة واضحة بالدفع نحو توازن انتخابي بين فريقي الازمة بما يضمن دوراً أكبر لرئس الجمهورية ويسهّل وصول الكتلة الوازنة.
ومثّلت الزيارة الاخيرة للرئيس سليمان لباريس مؤشرا واضحا لوجهة النظر الداعية الى ان يكون له الدور المرجح في "جمهورية" ما بعد السابع من حزيران (يونيو)، وخصوصا في حكومتها الاولى، وباريس لم تخف –حسب اكثر من زائر لها – ارتياحها الى حكومة العشرات الثلاث التي شاع الحديث عنها كثيرا بين ايار (مايو) وتموز (يونيو) 2008، وكان عرابها في حينه رئيس مجلس النواب نبيه بري. ذلك ان هذه الحكومة تكرّس توافقية رئيس الجمهورية وقدرته على الحسم بحزم عند افتراق وجهات النظر، وتفوّت العطل السياسي والانتاجي الذي اعطب الحكومة الراهنة نتيجة توازنات الثلث المعطّل.
من الواضح ان رئيس الجمهورية – انى اتت صورة الانتخابات ومن ثم ثاني حكومات عهده – لن يألو جهدا لتحقيق ما يتيح له حدا ادنى من الحكم السليم. فتراه عند كل مفصل يشير الى ان انطلاقة الاصلاح هي حتما وحكما بعد الانتخابات، وهو الداري بمكّة وشعابها يدرك قطعا ان آليات الحكم تفترض ايضا حدا ادنى من الادوات والعناصر، بدءا بالحكومة وليس انتهاء بها. وخياره في حصته الوزارية الثلاثية الراهنة اثبت نجاعة مقبولة، يمكن ان يؤدي تطويرها وتكذلك تطوير مفهوم حصة الرئيس، الى تجربة حكم ناجحة. والرئيس في كل خطوة ووثبة له، يستعيد في الذاكرة عهد الاصلاح والتطوير زمن فؤاد شهاب. وهي تجربة لا يُخفى توقه اليها.



ليست هناك تعليقات: