ساركوزي حذّر المسؤولين في بيروت من مخاطر ولوج الصراع
لبنان تجاوز قطوع "الكاتيوشا" والتحقيق يقود الى اصوليين!
موالون قرأوا في الصواريخ رسالة سورية لاستعادة دور كان مفقودا
الاستراتيجيا الدفاعية للبنان قد ترتسم من خيوط الاضطرابات والحروب
موالون قرأوا في الصواريخ رسالة سورية لاستعادة دور كان مفقودا
الاستراتيجيا الدفاعية للبنان قد ترتسم من خيوط الاضطرابات والحروب
ينشر في "الاسبوع العربي" في 19/1/2009
كثرت المبادرات لمعالجة الوضع المتدهور والمأسوي في قطاع غزة. وشكلت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للمنطقة الاسبوع الفائت محطة مهمة في اطار المساعي والمفاوضات الرامية الى وقف اطلاق النار ووضع حد للحرب بين الجيش الاسرائيلي و"حماس" كما الاحتياط لعدم توسّع رقعة المواجهات لتطال الجنوب اللبناني. الا ان اطلاق صواريخ الكاتيوشا الاربعة من الجنوب زاد في المخاوف مع شكوك في ان ثمة من يسعى الى زج لبنان في رقعة المواجهة مع اسرائيل، في وقت تستمر الهدنة السياسية الداخلية هشّة ومحكومة بالامر الواقع في انتظار الاستحقاق الانتخابي.
زيارة خاطفة قام بها الرئيس الفرنسي لبيروت، جدد في خلالها وقوف فرنسا الى جانب لبنان وتعلقها به كبلد مستقل، مبديا ارتياحه الى ما تحقق منذ اتفاق الدوحة لافتا الى ان تبادل السفارات بين لبنان وسوريا هو خطوة اولى يجب ان تليها خطوات تتناول الملفات العالقة بين بيروت ودمشق، مشيرا الى الاستعداد الكامل لدعم الجيش اللبناني استنادا الى الاتفاق الذي تم توقيعه مع رئيس وزراء فرنسا فرنسوا فيون في زيارته الاخيرة لبيروت.
حرص على مكانة لبنان
وفي خلفيات الزيارة بالتزامن مع احداث غزة الدامية، تشير اوساط سياسية الى انّ زيارتي كل من الرئيس ساركوزي والمنسق الأعلى للعلاقات السياسية والأمنية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا حملتا الى المسؤولين اللبنانيين تنبيهات مشددة من مغبة اي تورط لبناني في الحرب على غزة ونصائح بضرورة الاستمرار في الحفاظ على التهدئة على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية لمنع اسرائيل من اي ذريعة لاستدراج لبنان الى حرب لا يحتمل التورط فيها. الا ان عملية اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان غيّرت بعض المعادلات من دون لجوء اسرائيل الى اشعال الجبهة لعلمها ودرايتها انّ "حزب الله" ليس الجهة التي اطلقتها، وهي اقرت بذلك على لسان اكثر من مسؤول سياسي وعسكري. وتضيف الاوساط نفسها انّ محادثات الرئيس الفرنسي والمسؤول الاوروبي مع المسؤولين اللبنانيين تناولت افق الوضع اللبناني في ضوء تداعيات الحرب على غزة وما قد يتأتى عنه من تأثيرات على لبنان في ظل التحضيرات الجارية للاستحقاق الانتخابي الذي حدّد موعده في 7 حزيران المقبل.
وتتحدث عن بروز عامل مهم جدا في ما سمعه ساركوزي وسولانا وتمثل في اشادة المسؤولين لا سيما من هم في صفوف قوى 14 آذار (مارس) بالحكمة العالية التي يظهرها "حزب الله" في التعامل مع تداعيات الحرب والموقف الرسمي اللبناني بانّ لبنان سيقف صفا واحدا في حال تعرّض لاي اعتداء من جانب اسرائيل، ما يعني اسقاط اي وهم او رهان اسرائيلي على التلاعب بالانقسامات الداخلية اللبنانية لتبرير اي نية محتملة لديها في توسيع الحرب على لبنان.
وتنقل الاوساط حرص ساركوزي على موقع لبنان ومكانته في اطار العلاقة الفرنسية- السورية المستجدة والمتطورة وتشديده على الاستمرار بمراقبة السياسة السورية في بلاد الارز مع اشارته الى انّه من غير الممكن حل مشاكل لبنان من دون التحدّث مع سوريا. كما انّه تطرّق الى موضوع المحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، موضحاً انها بالنسبة الى فرنسا مسألة مبدأ ويجب على المجرمين أن يدفعوا ثمن جريمتهم، مشيرا الى انّه أوضح ذلك الى القيادة السورية وقال لها انها مسألة لن تتنازل فرنسا عنها.
اضطراب وخوف على اليونيفيل
وفي وقت انشغل اللبنانيون كما المجتمع الدولي بالمأساة الانسانية في غزة، اثارت عملية اطلاق الصواريخ من الجنوب في اتجاه شمال اسرائيل اهتماما وترقّبا لما قد ينجم عنها من دخول الجنوب مجددا اتون العنف. وفي معلومات لـ "الاسبوع العربي" ان عدداً من البعثات الدبلوماسية الأجنبية، تابعت عن قرب تطورات اطلاق الصواريخ، وأجرى سفراء عدة اتصالات بمراجع رسمية للوقوف على الموقف اللبناني.
وتكشف مصادر ديبلوماسية غربية رفيعة في بيروت ان اكثر من جهاز استخباري تداول في الأيام الأخيرة بمعلومات عن وجود نوايا جدية لتحريك الجنوب من بعض التنظيمات غير المنضبطة، وغير اللبنانية. وتلفت إلى ان أحد التقارير الاستخبارية الذي اطلعت عليه جهات لبنانية معنية، اشار بوضوح إلى هذه المسألة.
وتشير الى ان ثمة خيوطا عدة ستؤدي الى معرفة الجهة المسؤولة عن اطلاق الصواريخ، وكذلك الامر بالنسبة الى الصواريخ التي اكتشفت وفككت في الخامس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) 2008 (7 صواريخ من عيار 107 ميلليمترا) وتلك التي اكتشفت وفككت في التاسع من كانون الثاني (يناير) الجاري في خراج بلدة كفرحمام الواقعة في القطاع الشرقي، (تشمل راجمة من عشر فوهات مذخرة بصواريخ من عيار ميلليمترا مغطاة بشادر داخل غرفة من الباطون، إضافة إلى مستوعب آخر مجاور فيها 24 صاروخاً من العيار نفسه وجميعها قديمة العهد وغير صالحة للإستخدام).
وثمة معلومات ان اصابع الاتهام تتجه نحو احد التنظيمات الاصولية السلفية، ويملك امتدادا لوجستيا بين منطقتين في الشمال وفي الجنوب، ويتحرك في بيئة ملائمة له جغرافيا ومذهبيا وايديولوجيا، لكن قدراته العسكرية محدودة نسبيا وتشمل ترسانة من الصواريخ القديمة.
وتوصّلت التحقيقات الجارية الى معطيات دقيقة في هذا الخصوص، تأمنت من خلال اعتراض عدد من المكالمات الهاتفية بين قياديين في هذا التنظيم الذي يحاول ان يكون له ارتباط مع تنظيم "القاعدة".
ويأخذ التحقيق في الاعتبار ان اطلاق الصواريخ الاربعة جاء بعد اقل من 48 ساعة على النداء الذي وجّهه الرجل الثاني في "القاعدة" أيمن الظواهري في السادس من كانون الثاني، يدعو فيه المسلمين إلى "مهاجمة أهداف إسرائيلية وغربية في أي مكان ردّاً على حرب غزة".وتتشارك الاجهزة الاستخبارية والامنية اللبنانية منذ فترة مع قيادة القوة الدولية المعززة "اليونيفيل" تقارير جدية عن وجود نوايا لدى اصوليين ومتشددين معروفي الانتماء والمذهب ومرتبطين عقائديا بتنظيم "القاعدة"، لاستهداف كتائب "اليونيفيل" ولارباك الوضع الامني في الجنوب.
بالتقاطع، تراقب الاجهزة اللبنانية محيط عدد من القواعد الفلسطينية في البقاع، بعد تسجيل تحرّك مريب في معسكر قوسايا التابع لـ "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وسجّل تقرير امني دخول نحو 15 آلية إلى الموقع قبل ايام من اطلاق الصواريخ على اسرائيل، مترافقاً مع تحريك منصات صواريخ وإعادة تموضع بعضها. وطلبت "القيادة العامة" من المزارعين هجر اراضيهم والامتناع عن حراثتها او العمل فيها.
وكان الرئيس الفرنسي قد حمّل، بعد يوم من زيارته للمنطقة، مسؤولية اطلاق الصواريخ الى مجموعات صغيرة متطرفة تسعى الى اشعال جبهة الجنوب وتوسيع دائرة الاشتباكات في غزة، معتبرا ان ذلك يستدعي الاسراع في استصدار قرار بوقف اطلاق النار في غزة، وهذا ما تجسّد في القرارا 1860 الصادر عن مجلس الامن والذي لم يحترمه اي من طرفي النزاع.
في الموازاة، تستبعد اوساط ديبلوماسية عربية مطلعة ان يكون لـ "حزب الله" اي يد في اطلاق الصواريخ، باعتبار ان الحزب في حال قرّر خوض المواجهة مع اسرائيل فلن يبدأ حتما بهذه الطريقة الهزيلة، كما ان لا وجود فاعلا له في المنطقة التي اطلقت منها الصواريخ.
وتلفت الى ان فرنسا مهتمة جدا بوضع القوة الدولية المعززة عموما والكتيبة الفرنسية خصوصا، وهي قلقة من امكان تفاقم الامور. وترجّح ان تكون الجهة التي تقف وراء العمل من ضمن مجموعات عسكرية صغيرة وغير معروفة بالنظر الى ان السلاح المستعمل قديم الطراز.
صواريخ تحمل رسالة سورية
وفيما تعددت التحليلات حول مصدر الصواريخ والجهة التي اطلقتها مع غياب اي تبنّ لهذه العملية، يجمع عدد من القريبين من قوى الموالاة على ان الصواريخ حملت رسالة سورية واضحة بضرورة عدم التغاضي عن الدور السوري على الساحتين الاقليمية والدولية لا سيما في ظل التحرك المصري - الفرنسي الذي اضطلعت به الدولتان في اطار طرح المبادرات واقتراحات الحلول لوضع حدّ لحرب غزة.
ويعزّز هؤلاء هذا التحليل بالاستناد الى انّ سوريا هي في الوقت الراهن الداعم الاساسي لحركة "حماس" وتؤوي زعمائها الاساسيين، مشيرين في هذا الاطار الى عملية اطلاق الصواريخ واستبعاد كون "حزب الله" الجهة المسؤولة "ممّا يفسّر بشكل واضح التباين السوري- الايراني، وتاليا التباين على خط "حزب الله"- سوريا التي تلجأ الى استخدام بعض المجموعات، التي قد تكون فلسطينية، لتمرير الرسائل الى المجتمع الدولي".
ويلفت القريبون من الموالاة الى دعوة ايران بشخص المرشد الاعلى الامام علي الخامنئي الى منع ذهاب "الجهاديين" لمساندة "حماس" في قطاع غزة، كدليل آخر على ارجحية هذا التحليل.
استراتيجية من رحم الصراع
الى ذلك، يرى مصدر مطلع قريب من المعارضة ان "عملية اطلاق صواريخ الكاتيوشا من الجنوب قد يكون من مصلحة تل ابيب لانه يشكّل محاولة لالهاء الرأي العام العالمي عمّا يجري في غزة خصوصا بعد احتضانه وتعاطفه مع الفلسطينيين، نتيجة المأساة الانسانية الرهيبة التي يتعرضون لها على يد آلة الحرب الاسرائيلية".
ويعتبر انّ "ما يحصل في غزة يؤثّر على مضمون بحث الاستراتيجيا الدفاعية للبنان والتي تجري بشكل متقطع في قصر بعبدا، بحيث اننا نشهد انموذجا لحال دفاعية لقلّة تواجه آلة عسكرية ضخمة وهي في موقع دفاعي، وهذا ما يرسم معالم استراتيجيا دفاعية حول كيفية ان قلّة تحارب اكثرية، ما قد يبرر منطق التمسك بسلاح المقاومة الذي يشكل في حال الصراع والحرب مع اسرائيل عنصر قوة وصمود وقدرة على الدفاع والمواجهة".
في المقابل، يشير مصدر عليم في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الى انّ ما يحصل في غزة يرمي الى تعبيد الطريق امام العودة الى مفاوضات السلام، لافتا الى ان اسرائيل تريد القول انها تمكنت من الوصول الى واقع على الارض يتمثل بتقسيم غزة، وهو امر لا رجوع عنه اطلاقا ممّا يجبر حميع الافرقاء على الذهاب الى طاولة المفاوضات لايجاد مخرج قد يشكل جزءا من حل نهائي للقضية الفلسطينية. ويشير المصدر الى امكان اطالة الحرب على غزة حتى تسلّم الرئيس المنتخب باراك اوباما مقاليد الحكم رسميا، كي لا يتم التفاوض مع ادارة اميركية راحلة وانما مع الادارة الجديدة.
زيارة خاطفة قام بها الرئيس الفرنسي لبيروت، جدد في خلالها وقوف فرنسا الى جانب لبنان وتعلقها به كبلد مستقل، مبديا ارتياحه الى ما تحقق منذ اتفاق الدوحة لافتا الى ان تبادل السفارات بين لبنان وسوريا هو خطوة اولى يجب ان تليها خطوات تتناول الملفات العالقة بين بيروت ودمشق، مشيرا الى الاستعداد الكامل لدعم الجيش اللبناني استنادا الى الاتفاق الذي تم توقيعه مع رئيس وزراء فرنسا فرنسوا فيون في زيارته الاخيرة لبيروت.
حرص على مكانة لبنان
وفي خلفيات الزيارة بالتزامن مع احداث غزة الدامية، تشير اوساط سياسية الى انّ زيارتي كل من الرئيس ساركوزي والمنسق الأعلى للعلاقات السياسية والأمنية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا حملتا الى المسؤولين اللبنانيين تنبيهات مشددة من مغبة اي تورط لبناني في الحرب على غزة ونصائح بضرورة الاستمرار في الحفاظ على التهدئة على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية لمنع اسرائيل من اي ذريعة لاستدراج لبنان الى حرب لا يحتمل التورط فيها. الا ان عملية اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان غيّرت بعض المعادلات من دون لجوء اسرائيل الى اشعال الجبهة لعلمها ودرايتها انّ "حزب الله" ليس الجهة التي اطلقتها، وهي اقرت بذلك على لسان اكثر من مسؤول سياسي وعسكري. وتضيف الاوساط نفسها انّ محادثات الرئيس الفرنسي والمسؤول الاوروبي مع المسؤولين اللبنانيين تناولت افق الوضع اللبناني في ضوء تداعيات الحرب على غزة وما قد يتأتى عنه من تأثيرات على لبنان في ظل التحضيرات الجارية للاستحقاق الانتخابي الذي حدّد موعده في 7 حزيران المقبل.
وتتحدث عن بروز عامل مهم جدا في ما سمعه ساركوزي وسولانا وتمثل في اشادة المسؤولين لا سيما من هم في صفوف قوى 14 آذار (مارس) بالحكمة العالية التي يظهرها "حزب الله" في التعامل مع تداعيات الحرب والموقف الرسمي اللبناني بانّ لبنان سيقف صفا واحدا في حال تعرّض لاي اعتداء من جانب اسرائيل، ما يعني اسقاط اي وهم او رهان اسرائيلي على التلاعب بالانقسامات الداخلية اللبنانية لتبرير اي نية محتملة لديها في توسيع الحرب على لبنان.
وتنقل الاوساط حرص ساركوزي على موقع لبنان ومكانته في اطار العلاقة الفرنسية- السورية المستجدة والمتطورة وتشديده على الاستمرار بمراقبة السياسة السورية في بلاد الارز مع اشارته الى انّه من غير الممكن حل مشاكل لبنان من دون التحدّث مع سوريا. كما انّه تطرّق الى موضوع المحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، موضحاً انها بالنسبة الى فرنسا مسألة مبدأ ويجب على المجرمين أن يدفعوا ثمن جريمتهم، مشيرا الى انّه أوضح ذلك الى القيادة السورية وقال لها انها مسألة لن تتنازل فرنسا عنها.
اضطراب وخوف على اليونيفيل
وفي وقت انشغل اللبنانيون كما المجتمع الدولي بالمأساة الانسانية في غزة، اثارت عملية اطلاق الصواريخ من الجنوب في اتجاه شمال اسرائيل اهتماما وترقّبا لما قد ينجم عنها من دخول الجنوب مجددا اتون العنف. وفي معلومات لـ "الاسبوع العربي" ان عدداً من البعثات الدبلوماسية الأجنبية، تابعت عن قرب تطورات اطلاق الصواريخ، وأجرى سفراء عدة اتصالات بمراجع رسمية للوقوف على الموقف اللبناني.
وتكشف مصادر ديبلوماسية غربية رفيعة في بيروت ان اكثر من جهاز استخباري تداول في الأيام الأخيرة بمعلومات عن وجود نوايا جدية لتحريك الجنوب من بعض التنظيمات غير المنضبطة، وغير اللبنانية. وتلفت إلى ان أحد التقارير الاستخبارية الذي اطلعت عليه جهات لبنانية معنية، اشار بوضوح إلى هذه المسألة.
وتشير الى ان ثمة خيوطا عدة ستؤدي الى معرفة الجهة المسؤولة عن اطلاق الصواريخ، وكذلك الامر بالنسبة الى الصواريخ التي اكتشفت وفككت في الخامس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) 2008 (7 صواريخ من عيار 107 ميلليمترا) وتلك التي اكتشفت وفككت في التاسع من كانون الثاني (يناير) الجاري في خراج بلدة كفرحمام الواقعة في القطاع الشرقي، (تشمل راجمة من عشر فوهات مذخرة بصواريخ من عيار ميلليمترا مغطاة بشادر داخل غرفة من الباطون، إضافة إلى مستوعب آخر مجاور فيها 24 صاروخاً من العيار نفسه وجميعها قديمة العهد وغير صالحة للإستخدام).
وثمة معلومات ان اصابع الاتهام تتجه نحو احد التنظيمات الاصولية السلفية، ويملك امتدادا لوجستيا بين منطقتين في الشمال وفي الجنوب، ويتحرك في بيئة ملائمة له جغرافيا ومذهبيا وايديولوجيا، لكن قدراته العسكرية محدودة نسبيا وتشمل ترسانة من الصواريخ القديمة.
وتوصّلت التحقيقات الجارية الى معطيات دقيقة في هذا الخصوص، تأمنت من خلال اعتراض عدد من المكالمات الهاتفية بين قياديين في هذا التنظيم الذي يحاول ان يكون له ارتباط مع تنظيم "القاعدة".
ويأخذ التحقيق في الاعتبار ان اطلاق الصواريخ الاربعة جاء بعد اقل من 48 ساعة على النداء الذي وجّهه الرجل الثاني في "القاعدة" أيمن الظواهري في السادس من كانون الثاني، يدعو فيه المسلمين إلى "مهاجمة أهداف إسرائيلية وغربية في أي مكان ردّاً على حرب غزة".وتتشارك الاجهزة الاستخبارية والامنية اللبنانية منذ فترة مع قيادة القوة الدولية المعززة "اليونيفيل" تقارير جدية عن وجود نوايا لدى اصوليين ومتشددين معروفي الانتماء والمذهب ومرتبطين عقائديا بتنظيم "القاعدة"، لاستهداف كتائب "اليونيفيل" ولارباك الوضع الامني في الجنوب.
بالتقاطع، تراقب الاجهزة اللبنانية محيط عدد من القواعد الفلسطينية في البقاع، بعد تسجيل تحرّك مريب في معسكر قوسايا التابع لـ "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وسجّل تقرير امني دخول نحو 15 آلية إلى الموقع قبل ايام من اطلاق الصواريخ على اسرائيل، مترافقاً مع تحريك منصات صواريخ وإعادة تموضع بعضها. وطلبت "القيادة العامة" من المزارعين هجر اراضيهم والامتناع عن حراثتها او العمل فيها.
وكان الرئيس الفرنسي قد حمّل، بعد يوم من زيارته للمنطقة، مسؤولية اطلاق الصواريخ الى مجموعات صغيرة متطرفة تسعى الى اشعال جبهة الجنوب وتوسيع دائرة الاشتباكات في غزة، معتبرا ان ذلك يستدعي الاسراع في استصدار قرار بوقف اطلاق النار في غزة، وهذا ما تجسّد في القرارا 1860 الصادر عن مجلس الامن والذي لم يحترمه اي من طرفي النزاع.
في الموازاة، تستبعد اوساط ديبلوماسية عربية مطلعة ان يكون لـ "حزب الله" اي يد في اطلاق الصواريخ، باعتبار ان الحزب في حال قرّر خوض المواجهة مع اسرائيل فلن يبدأ حتما بهذه الطريقة الهزيلة، كما ان لا وجود فاعلا له في المنطقة التي اطلقت منها الصواريخ.
وتلفت الى ان فرنسا مهتمة جدا بوضع القوة الدولية المعززة عموما والكتيبة الفرنسية خصوصا، وهي قلقة من امكان تفاقم الامور. وترجّح ان تكون الجهة التي تقف وراء العمل من ضمن مجموعات عسكرية صغيرة وغير معروفة بالنظر الى ان السلاح المستعمل قديم الطراز.
صواريخ تحمل رسالة سورية
وفيما تعددت التحليلات حول مصدر الصواريخ والجهة التي اطلقتها مع غياب اي تبنّ لهذه العملية، يجمع عدد من القريبين من قوى الموالاة على ان الصواريخ حملت رسالة سورية واضحة بضرورة عدم التغاضي عن الدور السوري على الساحتين الاقليمية والدولية لا سيما في ظل التحرك المصري - الفرنسي الذي اضطلعت به الدولتان في اطار طرح المبادرات واقتراحات الحلول لوضع حدّ لحرب غزة.
ويعزّز هؤلاء هذا التحليل بالاستناد الى انّ سوريا هي في الوقت الراهن الداعم الاساسي لحركة "حماس" وتؤوي زعمائها الاساسيين، مشيرين في هذا الاطار الى عملية اطلاق الصواريخ واستبعاد كون "حزب الله" الجهة المسؤولة "ممّا يفسّر بشكل واضح التباين السوري- الايراني، وتاليا التباين على خط "حزب الله"- سوريا التي تلجأ الى استخدام بعض المجموعات، التي قد تكون فلسطينية، لتمرير الرسائل الى المجتمع الدولي".
ويلفت القريبون من الموالاة الى دعوة ايران بشخص المرشد الاعلى الامام علي الخامنئي الى منع ذهاب "الجهاديين" لمساندة "حماس" في قطاع غزة، كدليل آخر على ارجحية هذا التحليل.
استراتيجية من رحم الصراع
الى ذلك، يرى مصدر مطلع قريب من المعارضة ان "عملية اطلاق صواريخ الكاتيوشا من الجنوب قد يكون من مصلحة تل ابيب لانه يشكّل محاولة لالهاء الرأي العام العالمي عمّا يجري في غزة خصوصا بعد احتضانه وتعاطفه مع الفلسطينيين، نتيجة المأساة الانسانية الرهيبة التي يتعرضون لها على يد آلة الحرب الاسرائيلية".
ويعتبر انّ "ما يحصل في غزة يؤثّر على مضمون بحث الاستراتيجيا الدفاعية للبنان والتي تجري بشكل متقطع في قصر بعبدا، بحيث اننا نشهد انموذجا لحال دفاعية لقلّة تواجه آلة عسكرية ضخمة وهي في موقع دفاعي، وهذا ما يرسم معالم استراتيجيا دفاعية حول كيفية ان قلّة تحارب اكثرية، ما قد يبرر منطق التمسك بسلاح المقاومة الذي يشكل في حال الصراع والحرب مع اسرائيل عنصر قوة وصمود وقدرة على الدفاع والمواجهة".
في المقابل، يشير مصدر عليم في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الى انّ ما يحصل في غزة يرمي الى تعبيد الطريق امام العودة الى مفاوضات السلام، لافتا الى ان اسرائيل تريد القول انها تمكنت من الوصول الى واقع على الارض يتمثل بتقسيم غزة، وهو امر لا رجوع عنه اطلاقا ممّا يجبر حميع الافرقاء على الذهاب الى طاولة المفاوضات لايجاد مخرج قد يشكل جزءا من حل نهائي للقضية الفلسطينية. ويشير المصدر الى امكان اطالة الحرب على غزة حتى تسلّم الرئيس المنتخب باراك اوباما مقاليد الحكم رسميا، كي لا يتم التفاوض مع ادارة اميركية راحلة وانما مع الادارة الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق